• مقدمة
في عالم كرة القدم هناك بعض التفاصيل والجزئيات الصغيرة التي تشكل منعطف مفصلي في تحديد مسار بعض الزوايا من تاريخ كرة القدم ؛ من بؤرة جمال الكرة ؛ هناك في ايطاليا ؛ حيث يقطن تاريخ الحُب في فيرونا تحت شُرفة روميو وجولييت ؛ هناك في ايطاليا ؛ حيث مهد أحد اقدم امبراطوريات التاريخ البشري في روما ؛ عند انهار فينيسيا الخالدة ؛ تحت ظِلال متمرسي الصرعة والموضه في ميلانو ؛ وايضاً للجانب الاجرامي مكانٌ لها ؛ حيث عوائل عصابات المافيا في صقلية ؛ ايطاليا تمنحك كل شيء ؛ الجمال ؛ الفن ؛ السحر ؛ الكرة ؛ وان بحثت عن بعض الامور السيئة حتماً ستجدها ؛ من مهبط جنة كرة القدم ؛ تبدأ رحلتي ؛ منكِ ابدأ ؛ و إليكِ اسير ؛ وعليك تُعقد آمال كل مُحبٍ للجمال ؛ ايطاليا أنتِ عظيمة ؛ أعظم مما تصوروكِ ؛ واجمل مما تخيّلوكِ ؛ واروع بكثير من لوحات دافنشي ؛ وأقدّس من إله الخمر كما رسمه انجلو ؛ بل تخطيتِ كل حدود الخيال ؛ حتى الوصول للسماء المبهمة ؛ حيث تقبعين في مكانةٍ لا تُرى ؛ لا تُسمع ؛ واحياناً لا يتم تخيّلها !
• سماء الكرة المقدسّة !
الكرة الرجولية ابرز ما كان يميز الكرة الايطاليه في اوّج تألقها في حقبة التسعينيات منذ بدايتها تحديداً ؛ احياناً كان اللاعب يتحامل على اصابته فقط لخدمه فريقه ؛ فيّتخذ من مبدأ " تعرق الشعار اكبر دليل على الحب " ؛ او يتخذ قاعدة من مقولة الكاتب الشهير اوسكار وايلد ؛ حيث يقول " كرة القدم قد تناسب النساء الخشنات ؛ ولكنها ليست للرجال الناعمين " ؛ فكان تقديسهم للشعار مهما ساءت الظروف عاملاً رئيسياً لتقديسهم فيما بعد كأساطير و رموز عُلقت بمسامير ذهبية في سماء الكرة المقدسة ؛ تلك كانت ايطاليا ؛ لمن لا يعرفها ؛ ايطاليا بلد القدسيّة لكل من يستحق التقديس ؛ عندما تتجول بين أزقّتها ترمق هناك برواز معلّق لإسطورةٍ ما ؛ او معلّقة لعلمٍ ما ؛ او مخطوطة تاريخية نُحتت في مدح رمز لم يُنسى و لن ينسى ؛ تلك تقاليد ايطاليا ؛ إن عرفتها دائماً سيُقال لك بصوتٍ صادح " أهلاً بك في ايطاليا " ..
• الضلع الاول
كلمات القلب تُردد حروفها داخل مجرى الشرايين ؛ تُخلق هناك أبجدية العشاق ليتم التحدث بلغة لا يفهمها احد سوى من عشق مالديني ؛ حيث كان يُفتن به عشقاً ؛ يعيش به الفرح والسرور ؛ الى النزعة بالجنون ؛ ينطلق من خط الهلاك ؛ حتى يصل لنقطة الموت و يهلك ! تفاصيل وجزئيات كثيرة دوّنت في كتاب التاريخ ؛ حُفظت ولن تُمحى ؛ كان يجيّد شمولية غريبة وغير مفهومة ؛ اينما وضعته يقدم بإقناع ؛ و اينما اردته ؛ يسحرك بإمتاع ؛ كان نقطه فارقة ومفصلية في تاريخ الكرة الايطالية ؛ حتى صُنّف مع مرور الزمن كأعظم مدافع في تاريخ كرة القدم التي عرفتها البشرية ؛ كان اشبه بالقوة المفرطة التي تدمّر مكامن الضعف ؛ عاصر اعتى الاجيال في تاريخ الكرة ؛ بدايةً من سيّد الكرة ذو اليد الإلهية دييغو مارادونا ؛ عبوراً بـ باجيو صاحب ذيل الحصان الإلهي والاشهر في تاريخ الكرة ؛ وصولاً بملوك وصلوا لدرجات القدسية مثل توتي الذي اعتبره البعض البابا الفعلي في روما في إشارةً لتواجد بابا الفاتيكان هناك ، و ديل بييرو الذي ازاح باجيو العظيم من سُلم المجد في اليوفنتوس و الغى ارقام المذهل بونيبيرتي ؛ دون نسيان الظاهرة الاعظم ؛ ورغم ذلك ؛ استطاع ان يكون شوكة غليظة في فم كل هؤلاء الاساطير ؛ كان كان الامواج العاتيه على سفنهم ؛ التي تُبعد كل قوارير الرسائل من شواطئهم و مراسيهم ؛ ربما كان كالبومة السوداء على اغصان حظوظهم !!
ولمعرفة مدى عظمته واسطوريته ؛ تخيل ان يتوّج بجائزة افضل مدافع في اوروبا ؛ رجل شارف على الاربعين سنة! اي عظمة هذه يا باولو ؟ يقول عنه الظاهرة رونالدو " كنت دائماً اميل في تحركي الى الجانب الايمن ؛ لكن ديربي ميلانو علمني ان الجانب الايسر افضل ؛ لان هناك لا يوجد باولو مالديني " ؛ تلك شهادة من ابرز الخصوم ؛ يقين تام بأنه اصعب من الصعوبة نفسها ؛ لذلك نجده اليوم يصل لمرحلة التقديس في سماء الكرة ؛ كرمزٍ مقدّس !!
• الضلع الثاني
هو في الجانب الآخر من مدينة الموضة ؛ ذو الرئات الثلاث ؛ العامل المشترك بينه وبين مالديني كان ( الشمولية ) تلك النقطة شكلّت فارق كبير في مسيرته الرياضية ؛ ايضاً الاستمرارية كان سبباً في حفاظه على مستوياته المميزة في العقد الاخير ؛ والا بربك قُل لي ؛ هل يمكن لرجل شارف على عقده الرابع ان يكون اساسياً في فريق بطل محلياً وينافس اوروباً ؛ ويكون سبباً رئيسياً في اعتلاء فريقه تلك المنصة ليتوّج بطلاً على اوروبا بأكملها ؟ كان يمتلك شيئاً ينافي اي عُرف او عادات و تقاليد ؛ كان ضلع داخل جسدٍ سقيم يريد النفور الى عالم آخر ؛ فالشعلة التي تجوب بداخله لا يناسبها اي خمولٍ او كسل ؛ كان كالهواء الذي تلتهمه الرئة ولا تريد ان تزفره ابداً ؛ كأوتار الكمال الذي يعزف على نوتة الامل ؛ بغدٍ افضل رغم ظرفه التعيس ؛ إبتسامة زرقاء في سماء يملؤها الاحمرار ؛ هوية دامت لازمانٍ طويلة ولم تتأثر بالعوامل المحيطة ؛ حتى خُلد في التاريخ كأحد ابرز من حطم الارقام واحداً تلو الاخر ؛ ربما كان اعظم اجنبي في تاريخ الكالتشيو ؛ وذلك ليس بالشيء السهل ولكنه هيناً في قاموس خافيير ؛ ليكون بهذه العظة ضلعاً ثانياً في السماء المقدسة !!
• الضلع الثالث
يوماً ما قال مارادونا عن باجيو " هو الوحيد الذي اقترب من مستواي " وبدور باجيو ايضاً قال عنه ذات يوم " اذا كان هناك خليفةً لي ؛ فـ ديل بييرو هو خليفتي " ؛ كان امتداداً لسلالة الاساطير ؛ ذلك الفتى المدلل الذي ازاح باجيو من اليوفنتوس ؛ حطّم ارقام بونيبيرتي ؛ حتى اصبحت له الكلمة العليا في اغلب الارقام التاريخية في تاريخ اليوفنتوس ؛ كان كالمطر الذي يستعرض مهارته على أسطح الطبول فيُشكل صوتاً كقرعها ولكن بموسيقى خافته تُلامس القلب قبل ان تسمعها الاذن ؛ كان يحملك برشاقةٍ تامة الى عالم لا تعرفه ابداً! ولكن جُل ما تعرفه ان هذا العالم يمتلئ سحر ومتعة ولا تريد مفارقته ؛ لا يهم متى واين ؛ ما يهم هو انك معه في اي زمانٍ و مكان ؛ حتى وهو يشارف على سن الاربعين كان علامةٍ فارقة ومن اهم اسباب حصول فريقه على بطولة الدوري في موسمه الاخير مع البيانكونيري ؛ تلك شخصية العظماء ؛ تظهر ، لا تختفي و لا تتأثر بتغيّر الزمن ؛ وما سُميّ بالملك الا بسبب تاجٍ صنعه بنفسه وجعل العشّاق تُنصّبه ملكاً بتاجٍ هو صانعهُ ؛ كالقصيدة المبللة على الوجنة الجافة لتلك الحسناء البائسة ؛ او ربما كإشراقة شمس تحتضنا السماء حتى في الظلام الدامس! ؛ ذلك الاستثناء جعل منه رمزاً خالداً مخلدّاً في السماء المقدسة ؛ ليشكل الضلع الثالث لتلك القدسيّة المبجلة !!
• الضلع الرابع
رغم عشقي لكل من ذكرت ؛ الا انني فضّلت ان يكون توتي هو الاخير لتكن الرواية مثلما قال القدير عيسى الحربين في تعليقه على لقاء روما وكاتانيا " و اكتملت الليلة بالملك " ؛ لن اجد احداً اعبر عن مشاعري تجاهه في كل هؤلاء افضل من توتي ؛ ما عشته معه وله يجعلني ادرك قيمة الكتابه والتعبير خصوصاً اذا كانت له ؛ لذلك فضّلت ان يكون مسك ختامها ( ملكياً ) ؛ يقول عنه عرّاب الكرة الايطالية جيوفاني تراباتوني " كل لاعب له مميزات ؛ ولكن اطلاقاً لا احد مثل توتي ".. ؛ نشأ في بيئة صعبة جداً ؛ ولم لكن يتخيل ابداً ان يصل لتلك المكانة ؛ ذلك الطفل كان يحلم يوماً ما ان يلعب بجانب الفتى المدلل ( جوسيبي جيانيني ) فكان مثله الاعلى ؛ وشاءت الاقدار ان يحدث ما اراد ؛ ولكن لعبة القدر كانت اجمل بكثير مما تخيل ؛ فأصبح ( جيانيني ) بالكاد يذكر واستحوذ توتي على كل شيء ؛ أحياناً ايضاً يتم وصفه بـ ( البابا ) الفعلي لروما رغم قدسية بابا الفاتيكان هناك ؛ لكن درجة توتي كانت اقدس بكثير ؛ من صانع لعب في اغلب فترات مسيرته ؛ الى لحظة مفصلية اصبح فيها مهاجم ؛ فتغير التاريخ وتم اسقاط اسماء بعض الاساطير من سلم التاريخ ؛ ليصبح ثاني افضل هداف في تاريخ جنة كرة القدم ! صاحب اكثر اسيست في مونديال برلين الشهير ؛ اكبر من توّج بالحذاء الذهبي الاوروبي ؛ حتى عندما شارف على الاربعين الغى كل الارقام التاريخية في الديربي فدوّنت بإسمه فقط ! كان بالنسبة لي كالفكرة المتجددة التي تقتات عليّ كالوحش الضاري ؛ يشغل فراغي بفرحةٍ هيستيرية ؛ كشعلةٍ من نار تلغي كل طقوس الليالي الباردة مع صقيعها ؛ لم اكن اخشى على نفسي من قيده قدر ما كنت اخشي عليّ من بُعده ؛ تلك بعض التفاصيل التي عشتها لزمانٍ طويل وربما كانت نقطه في بحره ؛ احياناً كان يجعلني اطير سعادةً ؛ واحياناً تغرورق عيناي بدموعٍ لا اعرف سببها ؛ كان يسيطر علي في كل شيء ؛ كنت اريد ان اسمعه ؛ اتنفسه ؛ اسرد عليه رواياتي ؛ اقول له هل تذكر كذا و كذا ؛ هو لن يذكر بالطبع لكن جُل ما اريده هو ان احكي له فقط !! مهما قلت وسردت لن اكتفي وربما سأتحدث حتى الصباح ؛ كل ما اردت قوله هو انني اردت ان تكون المكمل لعقد الاضلاع الاربعه لذلك المربع المقدس ؛ في سماء الكرة المقدسة!!